بقلم
د. محمد فؤاد رشوان
يمثل وضع تعريف محدد للإرهاب المائى اشكالية للمتخصصين فى العلوم الاجتماعية بصفة عامة، والذى يمكن تعريفة على أنه ” أى عمل أو سلوك عدوانى غير قانونى سواء كان ماديًا أو معنويًا يهدف لحرمان سكان إقليم معين أو دولة من مواردهم المائية بذات الجودة والكمية بشكل يؤثر على كافة مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء كان هذا السلوك صادرًا عن أشخاص أو جماعات أو دول”.
لذا فإن أى تهديد بإغراق المناطق أو غلق السدود وحبس المياه عن مناطق أو المواطنين، أو استخدام المياه لأغراض اقتصادية بغض النظر عن حياة المواطنين أو التعرض للمنشأت المائيه بقصد الإضرار بها عسكريًا أو سياسيًا أو حياتيًا يعد من قبيل الإرهاب المائى.
ولعل أول ما يتبادر فى ذهن القارئ عند سماع مصطلح الارهاب المائى لأول مرة تلك العمليات التى يمكن أن تقوم بها الجماعات الإرهابية تجاه المنشآت المائية أو السدود أو خطوط إمدادات المياه إلا انه هناك العديد من الصور التى يمكن أن تعد إرهابًا مائيًا؛ منها تدمير البنية التحتية المتعمد من قبل الجماعات الإرهابية أو من قبل بعض الأنظمة خلال الاحتجاجات التى تشهدها البلاد أو القيام بتلويث متعمد للموارد المائية، أو ما تقوم به المنظمات المالية الدولية والشركات متعددة الجنسيات من خلال السيطرة على الموارد المائية عبر دفع البلدان النامية لخصخصة الموارد المائية بها، وأخيرًا ما يمكن ان تقوم به دول المنابع عبر قطع إمدادات المياه عن طريق إقامة سدود أو قناطر أو تحويل للمجارى المائية دون النظر للحقوق التاريخية المكتسبة أو حقوق الاستخدام المنصف والمعقول.
ونظرًا لأهمية البنيه التحتية فهى عرضة للعمليات الارهابية بشكل متعمد، وقد كانت هدفًا عسكريًا وسياسيًا منذ آلاف السنين فهى من ناحية تظهر ضعف سيطرة الدولة على توفير الاحتياجات الأساسية لشعوبها حال تدمير أى من تلك المنشآت الحيوية، وكذلك تشكل ضغطًا متزايدًا على الأنظمة الحاكمة نتيجة لتعرض شعوبهم للهلاك حال فقدانهم مصادر المياه اللازمة لهم، وهو ما قد يتسبب فى اضطرابات اجتماعية أو فوضى حال تعرض تلك المنشأت إلى هجوم إرهابى عليها، يمكن من خلالها خلق بيئة صالحة لنمو الجماعات الإرهابية وتمددها داخل المجتمع.
أما عن الصورة الأخرى للإرهاب المائى فهو خصخصة المياه وحيث نقل وتوزيع وإدارة خدمات المايه من القطاع العام الى القطاع الخاص، الأمر الذى أدى الى تحويل المياه الى سلعة قابلة للتداول ونتيجة لسوء تنفيذ تلك السياسات والفساد في الدول النامية إلى حرمان فئات المجتمع المهمشة والفقيرة من حقهم في الحصول على المياه النظيفة الصالحة للاستخدام الأدمى، وهذه السياسات بالطبع تتجاهل احتياجات الفقراء، ونظرًا لضعف الرقابة في هذه البلدان النامية الذي يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المياه وسحب المياه للاستخدام الصناعي على حساب الاستخدامات الحياتية الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية عنيفة والنزاع حول موارد المياه.
ومن ناحية أخرى فإن ممارسات دول المنابع تجاه دول المصب من أجل السيطرة على أكبر كمية من المياه اللازمة لعمليات التنمية دون النظر إلى الحقوق التاريخية المكتسبة وقواعد القانون الدولى المتعارف عليها هى أبرز صور الإرهاب المائى الذى تقوم به الدول بنفسها وليس الجماعات، ولعل ما تقوم به تركيا بشأن المياه فى نهر دجلة هو أشد صور الإرهاب المائي الذى تقوم به دولة تجاه دولة أخرى؛ حيث قامت أنقرة بافتتاح «سد أليسو» في فبراير 2018 والذى يحجب أكثر من نصف إيراد نهر دجلة عن دولة العراق بالمخالفة لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بالأنهار الدولية؛ حيث تعانى مدينة الموصل الآن من انخفاض شديد فى منسوب المياه بحيث أصبح من السهل عبور النهر سيرًا على الأقدام وهو ما يعني جفاف دجلة، وهو ما سيؤدى بالضرورة إلى نزوح جماعي لسكان الموصل، ويرى «رشوان» أن «سد أليسو» هو أشد صور الإرهاب المائي ضراوة لما يمثله من احتمالية القضاء على الآلاف سكان الموصل خلال أيام معدودة إذا لم تستطع بغداد تدبير البدائل اللازمة.
وكذلك فقد عملت ايران على حجب المياه عن كمية المياه الواصلة لنهر دجلة فى العراق عبر اقامة ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة وهو ما ادى الى انخفاض منسوب المياه فى مدينة البصرة وتزايد نسبة ملوحة المياه بها نتيجة ما يعرف بالمد الملحى القادمة من الخليج العربى الى شمال نهر شط العرب وهو مصدر المياه الوحيد لمحافظة البصرة الامر الذى يعدد حياة سكان البصرة وكذلك نفوق الحيوانات والنباتات .